شرعت وزارة التربية الوطنية، أمس، في سلسلة مشاورات مع الفاعلين في القطاع
من أجل النظر وإمكانية التعديل في الإصلاحات التي عرفتها المنظومة
التربوية منذ عشر سنوات خلت، وهي الإصلاحات التي فشلت حسبما أجمعت عليه
نقابات التربية في فوروم ”الفجر”، الذي خصص العدد الثاني منه على ”واقع
قطاع التربية والمشاكل التي يعيشها”، وبيّن الشركاء الاجتماعيون بأن هذه
الإصلاحات تمت بسرعة ، ولم تحقق الأهداف المرجوة منها عندما شرع في تطبيقها
في السابق وحان الوقت لتقييمها وتشخيصها.
”الإصلاحات تمت بسرعة ودون أهداف وطبقت جزئيا”
يرى المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ”الكنابست” حسب
المكلف بالإعلام مسعود بوديبة، أن تقييم المرحلة التي أعقبت الإصلاحات
أمرا مستعجلا وضروريا، خصوصا بعد مرور 10 سنوات من بداية تطبيق الإصلاحات
في قطاع التربية الوطنية، مع العلم أن أي إصلاح يبدأ بالتخطيط ثم التنفيذ
ويأتي بعدهما التقييم وهو الأمر الذي يحدد طريقة التعديل والعلاج.
وقال بوديبة ”نحن انتقدنا طريقة التطبيق التي كانت متسرعة وعاجلة وجعلت
الكل يعيش في فوضي وحيرة خصوصا المعلم والأستاذ الذي وجد نفسه يواجه الوضع
وحده دون إعلام وتكوين، مما جعل كل أستاذ يجتهد بمفرده بالاعتماد على
قنوات مختلفة، لذلك كانت طرق تقديم المعلومة متباعدة، بالإضافة إلي
الإرهاق الشديد الذي أصبح يعيشه، وهو ما أثر على مردوده في القسم”.
وأضاف المتحدث ذاته قائلا ”يجب أن نعتمد في تقييمنا على من لا يخاف الحقيقة
وقول الحق، لأننا نرى بأن التقارير المختلفة بعيدة عن الواقع، وهناك من
يتبع سياسة تبييض التقارير لإرضاء مسؤوليه وليعلم الجميع أنه مهما كانت
القرارات وكثرة المناشير والتعليمات فإن البعد بين القرار والتطبيق كالبعد
بين الخيال والحقيقة”.
أما رئيس النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ”السنابست”
مزيان مريان، فقد أكد أن الإصلاحات التي باشرتها وزارة التربية الوطنية في
فترة سابقة ”غلبت عليها سمة التسرع، وبالعودة إلى الوراء فإن المدرسة
الجزائرية كانت في وقت سابق تحت رحمة إيديولوجية الحزب الواحد ـوبعدها جاءت
مرحلة التعددية الحقلبية، وكل هذا أثّر في المنظومة التربوية وعلى المدرسة
والتلميذ معا، وهو ما يعطي الانطباع بأن المدرسة لم تكن مستقلة، وبتعبير
آخر فإن الصراع السياسي الموجود في ذلك الوقت ألقى بظلاله على المدرسة”.
وأكد المتحدث أن ”الإصلاحات لم تطبق كليا ويجب طرح السؤال التالي: لماذا
طبقت الإصلاحات بشكل جزئي فقط؟، وهنا يجب الإشارة إلى أنه في تلك الفترة
كان هناك طرف داخل الحكومة رفض إصلاحات بن زاغو”، مضيفا أن ”محاولة بناء
الإصلاح التربوي ترتكز على ثلاث محاور رئيسية، وهي أن يكون الإصلاح مشروع
مجتمع والثقافة والثوابت وأخيرا البرامج التعليمية، ومنه نصل إلى الأهداف
المتوخاة من الإصلاح التربوي إن نحن أردنا ذلك”.
”الأستاذ ضاع بين كثرة المشاكل البيداغوجية وتدهور مستوى التلاميذ”
تبنت وزارة التربية الوطنية في تطبيق الإصلاحات مقاربة جديدة تسمى المقاربة
بالكفاءات، وهذه المقاربة لم تتضح معالمها وأهدافها في الميدان، ما يطرح
العديد من التساؤلات وبرأي المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي
والتقني، فإن الوضعية البيداغوجية الحالية تتميز بأنه ”إلى يومنا هذا لم
تطبق هذه المقاربة في الامتحانات خصوصا الرسمية، والمفتش والأستاذ وبعد
عشر سنوات لم يتحكموا بعد في هذه المقاربة، والمدرسة والقسم غير مهيآن
لتنفيذ هذه المقاربة، والاكتظاظ في كل الأطوار لازال يميز الأقسام ما يعيق
تطبيق المقاربة، إضافة إلى كثرة المناشير والتعليمات والقوانين ما جعل
الكل تحت ضغط التقارير الأسبوعية والشهرية والسنوية، وإعداد الجداول
والأرقام دون التركيز علي الجانب البيداغوجي والتربوي الذي هو أساس
العملية التربوية”، وتساءل بوديبة هنا ”في ظل هذه الظروف هل يمكن تحديد
الوضعية البيداغوجية المتبعة؟”.
أما بالنسبة لوضعية الأستاذ -حسب المسؤول النقابي ذاته- فرغم المجهودات
الفردية التي يبذلها المعلم والأستاذ لأداء مهامه على أحسن وجه، إلا أنه
يسجل غياب التكوين المتخصص والدوري في المقاربة بالكفاءات والبرامج
الجديدة، وكذا نقص الوسائل الحديثة التي تتماشى مع البرامج الجديدة
والاكتظاظ في الأقسام والذي يميز الأطوار الثلاث، والضغط الإداري
والبيداغوجي الذي يتعرض له الأستاذ والمعلم، إضافة إلى الضغط المهني
والاجتماعي اليومي الذي يعيشه الأستاذ، ونقص التأطير البيداغوجي والتربوي
في المؤسسات التربوية، وتدهور الوضعية الصحية للأستاذ بسبب هكذا ضغوطات
وكذا الظروف المهنية والمعنوية والمادية المزرية التي يعيشها الأستاذ، و”في
مثل هذه الوضعيات والمشاكل هل يمكن تقييم كفاءة ومستوى الأستاذ
والمعلم؟”.
وبخصوص وضعية التلميذ ومستواه العلمي، فيرى بوديبة أنه يشهد تدهورا مقارنة
مع ما هو مخطط له، فطريقة التقييم في الامتحانات الرسمية تعتمد على
الأسئلة الاسترجاعية البسيطة بحيث تمنح لها أعلى النقاط عكس الأسئلة التي
تتطلب التحليل والتركيب والبحث التي تخصص لها أقل النقاط، ما يؤدي إلى
غياب التحفيز المساهم في رفع المستوي العلمي للتلميذ وكذلك تطوير كفاءاته
وذكائه. وأشار إلى ضعف المستوى لدى التلميذ في اللغات، بحيث نسجل أن
الأغلبية لا يمكنهم تكلم اللغة وكتابتها رغم أن المدة التي يدرسها التلميذ
إلى غاية السنة الثالثة ثانوي هي 10 سنوات، وخبراء اللغة يؤكدون أن تعلم
لغة يتطلب علي أقصى تقدير ثلاث سنوات، وهذا دليل على أن هناك مشكل عميق في
طريقة تعليم اللغات في الجزائر.
ونشير أيضا إلى أن نسبة التسرب المدرسي في الأطوار الثلاثة عالية جدا، مع
غياب ميادين علمية للتكفل بهم مثل التعليم المهني الذي كان مبرمجا تبنيه في
الجزائر، لكن هذا لم يتم وتم تفضيل التكوين المهني الذي لم يتمكن من حل
مشكلة التسرب المدرسي، بالإضافة إلى غياب عيادات مختصة في علم النفس
التربوي لمعالجة هذا الوضع، كما لا ننسى أن نسبة الطلبة الذين يعيدون السنة
في السنة الأولى جامعي عالية، والأكثرية لا ينهون دراستهم الجامعية،
وهذه أمثلة يمكنها أن توضح المستوي الذي هو عليه التلميذ الجزائري، رغم
”أننا نؤكد بان المشكل ليس في التلميذ، وإنما هو في الجو العام الذي تعيشه
المدرسة والذي سبق ذكره”. وبرأي منسق النقابة الوطنية المستقلة لأساتذة
التعليم الثانوي والتقني مزيان مريان، فالمدرسة وما تعيشه من نمط الكم
المسيطر على الكيف ألقى بظلاله على النتائج المحصل عليها، بدليل تسجيل
دفعات من المتفوقين، لكن التكوين في الجامعة يثبت أن الكثيرين لا ينجحون
ولا يكملون دراساتهم، وهذا إن دل إنما يدل على تطبيق الطريقة الاسترجاعية
في التحصيل الدراسي للتلميذ من خلال سؤال وجواب، لذلك وجب مراجعة هذه
الطريقة والتوجه نحو طريقة التحليل، البحث والذكاء، وبالتالي إيلاء أهمية
كبيرة لجانب التفكير في تلقين الدروس من جانب المعلم أو الأستاذ، وفي
تحصيلها من جانب التلميذ بتحضيره مسبقا. ولدى تطرقه إلى موضع تعليم اللغات،
أكد المتحدث ”فشل سياسة تدريس اللغات في الجزائر حتى تدريس اللغة
العربية، وبالتالي يجب مراجعة هذا الأمر باتباع طريقة التدريس الجزئي بدل
التدريس الكلي التي تركز على الصورة بدرجة كبيرة بدل الكلمة”.
وبشأن التعليم التقني، طالب المتحدث بضرورة إعادة بعث التعليم التقني في
المناهج التربوية وتكييفه وتطويره وفق المتطلبات الراهنة، بالنظر إلى دوره
وأهميته في التعليم من جهة والاقتصاد من جهة أخرى لتحقيق التوافق بين
التكوين والتنمية الشاملة للوطن، خاصة وأن الدولة صرفت أمولا طائلة من أجل
جلب عتاد وتجهيزات لا تزال مخزنة في الورشات وغير مستعملة حتى الآن، ويمكن
القول إن العولمة هي التي فرضت على الجزائر حذف وطرح المتحدث ذاته، مشكل
الحجم الساعي الذي بات يؤرق الأساتذة حيث يلجأ إلى خارج الاختصاص مثلا
لتلقين التلاميذ مادة الإعلام الآلي، وذلك لبلوغ الحجم الساعي لكن الإدارة
تتناسى أن المادة مهمة.
اتحاد أولياء التلاميذ: ”غياب التنسيق بين القمة والقاعدة أثقل كاهل المدرسة”
قال رئيس اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ خالد أحمد، في فوروم ”الفجر”، إن
هناك العديد من المشاكل تعيشها المدرسة الجزائرية، فهي تعاني العديد من
النقائص منها التدفئة، الإطعام المدرسي وقيمة الوجبة 34 دج، غياب الأمن في
المدارس وفي المحيط الخارجي، مشكل النقل، ثقل المحفظة، التسرب وطرح
المتحدث ذاته أيضا، مشكل التضييق على العمل النقابي وبالخصوص ضد جمعيات
أولياء التلاميذ لاسيما مع مدراء المؤسسات، وعلى وجه التحديد الجنس اللطيف
اللائي يرفضن بشدة التعامل مع جمعيات أولياء التلاميذ.
”إنقاذ المنظومة التربوية وإعادة بعثها لازال ممكنا”
اقترح مسؤولا نقابتي ”الكنابست” و”السنابست” مجموعة من الحلول بمثابة التي
من شأنها النهوض بالمنظومة التربوية وتتمثل في الإسراع في تنظيم ملتقيات
وأيام دراسية مخصصة للتقييم الحقيقي بعد عشر سنوات من تطبيق المقاربة
الجديدة، وبإشراك كل الفاعلين في الميدان من أساتذة، نقابيين، تلاميذ
وأوليائهم، مع وجود خبراء ومختصين في المجال التربوي والبيداغوجي.
ودعيا إلى تبني سياسة تكوين متخصص للأساتذة تحت إشراف دكاترة وخبراء
متخصصين في طرق التدريس، وكذلك علم النفس التربوي والبيداغوجي، وتوسيع عدد
المدارس العليا للأساتذة وتوزيعها جهويا بحيث تكون هناك تحفيزات تشجع على
الالتحاق بها، بالإضافة إلى مراعاة النقائص الموجودة في الأساتذة، وحسب
المواد في المناطق والجهات واسترجاع معاهد التربية التي كانت مخصصة للتكوين
والموجودة في العديد من الولايات والتي أصبحت مستغلة من طرف قطاعات أخرى
مثل وزارة التعليم العالي ووزارات أخري، وذلك بهدف بعث التكوين المتخصص
للأساتذة وبصفة دورية. وطالب ممثلي الأساتذة بمراجعة طريقة التقييم في
الامتحانات، بحيث تعطى أعلى النقاط لأسئلة التحليل والتركيب والبحث وكذلك
العودة إلى البطاقات التركيبية، الإنقاذ في امتحان شهادة البكالوريا، تطبيق
قوانين طب العمل والتي تسمح بحل مشكلة الأمراض المهنية والحد من اتساعها
وكذلك حل مشكلة المناصب المكيفة التي تفتقد لإطار قانوني ينظمها، كون أن
هذه القوانين يرفض تطبيقها في قطاع التربية. وحسب مريان وبوديبة، فإنه يجب
تحيين منح المنطقة والامتياز بولايات الجنوب لتشجيعهم على أداء مهامهم في
أحسن الظروف، وضع سياسة خاصة بقطاع التربية لحل مشكلة السكن التي تعد
وسيلة أساسية لنجاح الأستاذ في أداء مهامه، وكذا تطبيق ما جاء في القانون
التوجيهي للتربية لعام 2008 وإنشاء المرصد الوطني للتربية والمجلس الأعلى
للتربية.
عن صحيفة الفجر